أخر المقالات
تحميل...
ضع بريدك هنا وأحصل على أخر التحديثات!

عـــالــمـك الــخـاص بـــك!.

آخر المقالات

المقالات

الأحد، 30 نوفمبر 2014

فلنبدأ بأنفسَنا أولا


رامية نجيمة

رائعون نحن في الفيسبوك، رائعون إلى درجة المثالية. نرفض أن تتعرّض طفلة صغيرة للسخرية من قِبل مُدرّسها، مع أنّ كل ما على هذه الأرض يسخر منا باستمرار. وكل يوم يموت منا العَشرات تحت وطأة القهر والظلم والفقر والمرض والتهميش، ورغم ذلك نستغرب أن يقتل بعضَنا فائضُ الماء على الأرض. نحتج كثيرا على دوزيم لأنها تبث سهرة غنائية راقصة رغم رائحة الموت التي تزكم الأنوف، نطالِب بمقاطعتها لأنّها لا تقدّر حُرمة شهداء الفيضانات وأهاليهم، فهل نُقدّر ذلك نحن؟ إننا ننسى أن قناة دوزيم _للأسف_ أدرى بنا منّا.. القائمون على هذه القناة درسوا عقليتنا الجمعية جيدا واستوعبوها، إنهم يعرفون أننا شعب يأبه كل فرد فيه لحاله فقط، يعرفون أننا ليلة أمس، بينما كنا نعيب على القناة "تصرُّفَها المُشين" كان كل واحد منا يُمارس سَهرته الخاصة ويضحك مِلء شِدقيه في مكان ما.. أنا نفسي _ المتحدثّة هنا _ كنتُ مساء أمس في أمسية ثقافية تخللها غناء ورقص وفكاهة وضحك.. أفَيُعقل إذن بعد أن عُدت إلى البيت واستبدلت ملابسي أن أشرَع في بثّ الوعيد والتهديد للقناة التي ليست وغيرها من القنوات، وكلُّ ما يحدث على هذه الأرض إلا صورة مُكبّرة لنا؟ ما يحدث على هذه الأرض أكثُره مِن صنع أيدينا. المواطن الذي يشتكي مِن وفاة قريبه لأنّه لَم يتلق الرّعاية اللازمة داخل مشفى أو مصحة، هو نفسه الموظف الذي يُشيّب رؤوس المواطنين قبل أن يقضي مصالحهم. والأب الذي يلوم المدرس الذي يعنّف ابنه ويؤذي سلامته النفسية هو نفسه الزوج الذي يضرب زوجته ويشتمها أمام الأبناء والجيران.. والمثقّف الذي يظهر في القنوات ليعظ الناس ويعلّمهم الفرق بين الخطأ والفضيلة هو نفسه المواطن الذي يخالف إشارة المرور. والرجل الذي يشتكي من ضعف الخدمات في البلد هو ذاته الذي يحمِل كيس القمامة مِن أمام بابه ليضعه عِند باب الجيران..
ذلك الجزء من المغرب غير النافع هل يقبل أحدُنا بالذهاب للإقامة فيه؟
أيعقل أن نفعل وقد ضجرنا حتى بالمدن التي ولدنا وترعرعنا فيه؟ ولو كان الأمر بيدنا لذهبنا كلُّنا للعيش في أوروبا، أو بين الرباط والدار البيضاء وذلك أضعف الإيمان!
إننا نُندّد كل عام بمهرجان موازين ونصرخ في آذان القائمين عليه حتى تُبحّ أصواتنا، ونتعهّد بأن نقاطع ونجعله فاشلا فإذا بالحشود تهبُّ إليه من كل حدب وصوب كأنه بيت الله الحرام وجبت زيارته على كل من استطاع إليه سبيلا، من تكون هذه الحشود؟ أليست منا ونحن منها؟
المُدرّس الذي مازح تلميذته أو سخِر منها.. والذي أثار كل هذه الضجة الإعلامية، كأنّه هو الفَساد وأمُّه وأختُه (على رأي نزار قباني) ليس أسوء نموذج تعليمي لدينا، لأن جُلَّ التلاميذ والتلميذات في هذا الوطن، إما يتعرضون للضرب العنيف الذي تنتج عنه العاهات والرضوض، أو يتعرضون للسب والشتائم والتقزيم، وأحيانا يتعرضون للتحرش الجنسي، نعم، التحرش الجنسي، وفي أحسن الأحوال يتعرضون للاستغلال المادي.
وأنا حين أقول "جلّ" فإني أعرف ماذا أعني وقد كنت من قبل مُربيّة، وأعرف الظروف الذي يشتغل فيها المُدرّسون والمدرسات والتي تؤثّر على نَفسياتهم هم، بلهَ على نفسيات التلاميذ !
أعرف أن هناك مَن سيقول بأن كل هذا ليس مبررا للسكوت على الفساد.. لا أبدا هو ليس مبررا بل إنه دعوة صريحة لملاحقة الفساد في أكبر صوره وتجلياته وعدم الالتفاف حول سفاسف الأمور. ماذا يفيد معاقبة مدرس واحد مثلا، في ظلّ منظومة تعليمية فاسدة من ألف إلى ياء؟
وما معنى أن نعبّر عن استيائنا من سَهرة قناة دوزيم التي تزامنت مع أزمة الفيضانات التي يعرفها المغرب، ونسكُت عن الفساد الإعلامي الكبير، المتمثل في تزييف الحقائق وبيع الأوهام؟
ففي نفس اليوم الذي تحدثت فيه كلُّ وسائل الإعلام الإلكترونية عن حدوث حالات وفاة بسبب الفيضانات بثّت القناة الأولى نشرة إخبارية استثنائية ظهرت فيها الإعلامية نادية المؤذن وهي تصرِّح:"خسائر مادية ولا توجد خسائر في الأرواح"، ماذا يكون هذا بجانب سهرة دوزيم؟
ماذا تكون المسلسلات المكسيكية الرخيصة التي كانت تبثها القناة الأولى منذ أيام أمام سهرة دوزيم؟
والشباب الذين يشتكون من السماسرة الذين يشترون تذاكر مباريات الديربي ويبيعونها بثمن مُضاعف لماذا لا يقاطعون المدرجات ويلقنون السماسرة درسا في الرجولة؟
لماذا نشتكي ولا نقاطع، لماذا نكثر من الكلام والاحتجاج خلف الشاشات؟
التكتل البشريّ قوة هائلة ولو تم استخدامه في موضعه..
فهل نعرف أننا قوة عظمى؟ هل نقبل أن نصلح أنفسنا أولا ثم نطالب بالإصلاح؟
رحمة الله على ضحايا الفيضانات في المغرب. ورحمة الله على ضحايا الفساد في كل بلاد الإسلامية.. رحمة الله علينا جميعا.

رامية نجيمة

شاركها مع أصدقائك!
تابعني→
أبدي اعجابك →
شارك! →

0 التعليقات :

إرسال تعليق