أخر المقالات
تحميل...
ضع بريدك هنا وأحصل على أخر التحديثات!

عـــالــمـك الــخـاص بـــك!.

آخر المقالات

المقالات

الثلاثاء، 13 يناير 2015

نترجاك مولانا (زجل)

توفيق بوزيان
كلشي يفوت
اشتد الحال عليك يابلادي
زرعوا فتنة وفرقو بين الخوت
كلشي فاني
والعاقل يفهم المعاني
الدايم الله
ناس مشات مع الهتوف
مايدوم حال
هاذ الدنيا سحابة
الرجوع لله
لبلاد ولات غابة
وقتاش يبان ضوك يابلادي
وتصافى قلوب
لاتنشبك هتوف الوقت
وقتاش نكونو كلمة وحدة بلا زواق
خليو المحبة تسري بين القلوب
لاتزرعوا الشر فينا
شدوا جمالكم علينا
لمن نحكي كلامي
ولاصياحي مشى مع الريح
نترجاك مولانا
داوي الحال
مايدوم حال

توفيق بوزيان

الجمعة، 9 يناير 2015

سَمَر الخميس: ثلاثيات حارس التبغ..

حامد الناظر
"عنوان هذه الرواية -حارس التبغ- مأخوذ من ديوان "دكان التبغ" للشاعر البرتغالي فيرناندو بيسوا حيث تلتبس حياة واحدة بثلاث شخصيات، يقدم بيسوا في هذا الديوان ثلاث حالات تقمص، كل شخصية من هذه الشخصيات المخترعة هي وجه من وجوه بيسوا نفسه، مقدماً لكل واحدة منها اسما خاصاً وعمراً محدداً وهوية مختلفة وقناعات مغايرة، وهو ما سيحدث مع بطل الرواية الذي استلهم أقنعة شخصياته الثلاث التي عاش بها طوال ثمانين عاماً من هذا الديوان لنجد أنفسنا فجأة امام رسم تكعيبي ثلاثي لوجه واحد"..!
ثلاثية الوجود
"حارس التبغ" هي حكاية الموسيقار العراقي كمال مدحت الـ "ثلاثية الأبعاد" في كل أشكالها الثابتة والمتحولة، والذي وجد مقتولاً في خضم فوضى الموت المجاني في العراق عام 2006، ثم ورد خبر موته مقتضباً ودون تفاصيل كثيرة في بعض الصحف العراقية والوكالات وكاد أن يطويه النسيان، حتى نشرت صحيفة "توداي نيوز" الأمريكية خبراً عن أصله اليهودي ومقتطفات من حياته اللاحقة..
ومن هنا بدأت الحكاية الغريبة والمعقدة لتصل من خلال أطرافٍ كثيرة إلى فضول الصحفي والروائي العراقي علي بدر وتتكشف على يديه بعد ذلك خيوط أغرب قصة لأقدم متلازمة ثلاثية في الوجود "الإنسان - الهوية - المكان"..
ثلاثية الهوية
بطل الرواية -كما في الواقع- هو الموسيقار العراقي كمال مدحت الذي مات وهو يحمل هوية مسلم سني، وهو نفسه قبل خمسة وثلاثين عاماً حيدر سلمان المسلم الشيعي، وقبل ذلك بنحو ثلاثين عاماً أخرى هو يوسف سامي صالح من عائلة قوجمان اليهودية التي هُجرت من العراق في أوائل الخمسينيات إلى تل أبيب..
تتشابه حكايته مع حكاية شخصيات ديوان دكان التبغ للشاعر البرتغالي والذي استوحى منه علي بدر اسم الرواية، وقد وجد هذا الديوان في صالون كمال مدحت في بيته بحي المنصور في بغداد وقد كتب شروحاً بقلم الرصاص على هوامش الكتاب..
لكن كيف حدث هذا؟ كيف حدث المزج السلس والهادئ لهذه الهويات الثلاث التي تختزل كل مآسي الحرائق والدماء التي سالت وتسيل في هذا الشرق الأوسط المليء بالجنون؟ هل حاول الرجل أن يؤكد -دون وعي- بإمكانية انصهار هذا الجنون في ذاتٍ مجنونة واحدة ثم لا ينفجر؟ كيف استطاع أن يعيش بهذه الهويات الثلاث في مدينة واحدة وبصفة وحيدة لا غيرها "موسيقِي" لما يقرب من ستين عاماً؟
ثلاثية الخوف
الجمهور هو السبب! هكذا تقول الرواية، وتضيف رسائل كمال مدحت إلى زوجته اليهودية في القدس أن العنف الذي يولده هيجان الغوغاء حين تختفي -في لحظة الثورات العمياء- كل الفروق الكبيرة ويصطف الكل جسماً واحداً تحركه إشارة وتوقفه أخرى، هو النتيجة الكارثية لحقن الأيديولوجيات في أجساد الشعوب دون وعي..
الفتى العشريني البريء يوسف سامي، المحب للموسيقى، المقبل على الحياة بحسن ظنٍ عريض قتل الغوغاء خالته مسعودة وأم محبوبته الأولى أمام ناظريه حرقاً، كما قتل وسحل المئات من يهود العراق في واحدة من هبات الشعوب التي تسمى ثورات وكان ذلك عام 1941، فاستقرت في ذهنه لاحقاً متلازمة ثلاثية مرعبة ما أن يراها تجتمع مع بعضها حتى يعتزل كل شيء ويعتكف بصحبة ألمه النفسي العميق وهي "الأيديولوجيا-الجمهور-الاهتياج"..
"الجماهير خطر، إنها رعب حقيقي، لأنها تمثل انفلات السلوك العقلاني، هذه الجماهير ضد النقد، فكرها غير مفهومي بالمرة، تفكيرها وحركاتها تشتعل بواسطة المصادفة والتحول.. إنها لا تفكر، انها تهتاج وتتحسس، فهي تجمع الأشياء الأكثر تنافراً، وتماهي الكل مع الجزء، كلمة واحدة كافية أن تجعل هذه الجماهير مثل فيل يدخل في منزل من زجاج"..
بعد موت خالته هُجر معظم يهود العراق إلى بلقعٍ موعود كان اسرائيل، هاجر مع زوجته فريدة روبين وابنه مئير لكن روحه لم تنسجم أبداً مع الحياة التي انتظرته هناك، شعر ومنذ اليوم الأول باختناق روحه بسبب خوائها العريض وهيمنة الأشكيناز واستعلائهم على اليهود المشارقة فيها، فهاجر إلى موسكو ومنها -بمساعدة الشيوعيين- إلى إيران بجوازٍ مزور لمسلمٍ شيعي هو حيدر سلمان وهناك تزوج من طاهرة ابنة التاجر الشيعي الداعم لليسار اسماعيل الطبطبائي، فأنجب منها ولده الثاني المسلم الشيعي حسين، دخل بغداد مجدداً عام 1958 بعد انقلاب عبد الكريم قاسم بهذا الاسم الجديد وبصفته القديمة ذاتها "موسيقي"، وعاش ضمن النخبة اليسارية في الفترة التي شهدت مجد اليساريين في كل أرجاء العالم حتى قام صدام حسين بانقلابه على البعث القديم وقامت بعد ذلك بسنة الثورة الإيرانية وسرت حمى الحرب وهيجان الغوغاء من جديد فهُجر من بغداد ضمن من هجروا ورمي وزوجته وولده على الحدود الإيرانية على أنهم من التبعية الإيرانية، ماتت زوجته طاهرة قبل دخول طهران فقرر أن يترك ابنه حسين هناك ليبدأ محاولة جديدة للعودة إلى عشقه الأبدي بغداد وناسها ومسارحها وموسيقاها التي تنبض في دمه..
مرة أخرى تلعب الأقدار لعبة جديدة لصالحه، يتعثر بمن يمد له يد المساعدة، توضع صورته على جواز تاجر مسلمٍ سُني هو كمال مدحت الذي مات في حادث سير في طهران، فطار به إلى دمشق حيث توجد أرملته الثرية نادية العمري والتي تقبلته كزوجٍ مكان زوجها المفقود دون أن تبدي أي أسف، أي اهتمام، مثلما يبدل السائق إطار سيارته ويمضي ليكمل مشواره، وهكذا عاد إلى حي المنصور في بغداد ليرث حياة ثلاثية أخرى كانت تنتظره فاتحة ذراعيها وهي تاريخ كمال مدحت -زوجته- وبيته، أنجب منها ولده الثالث عمر المسلم السني الذي هاجر فيما بعد إلى مصر خلال سنوات الحصار، ومرة ثالثة هيأت له الأقدار من يحمله إلى أعلى سلم المجد والشهرة، إلى بلاط صدام حسين..
ثلاثية الغرس
عاش كمال مدحت في بغداد حياة حافلة بالنجاحات والمتع، حقق خلالها كموسيقى مجده الذي طالما تمناه ولبس من أجله أقنعة كثيرة إلى أن سقطت بغداد تحت وابل القصف الأمريكي، فجاءه أبناؤه الثلاثة دفعة واحدة، ثمرات هوياته المتحولة كلها، جاء ابنه اليهودي مئير ضابطاً في قوات المارينز الأمريكية ضمن قوات الاحتلال، وابنه الشيعي حسين من طهران ضمن النخبة الشيعية الجديدة التي ستحكم البلاد، وكذلك ابنه المسلم السني عمر قادماً من القاهرة ضمن الطليعة السنية المعارضة، فأصبح وجهاً لوجه أمام تاريخه، أمام مرآة تكعيبية رأى فيها نفسه بوجوهٍ ثلاثة..
ثلاثية الحب
لم يجد علي بدر -وهذا استخلاص مني- ما يفسر كل ما أقدم عليه بطل الحكاية وخاض بسببه غمار ذلك الجنون سوى الحب، حب ثلاثي أيضاً، لكنه كان في خياله متصلاً أبداً وغير منفصل، بدءاً من شخصيته الأولى وانتهاءً بالأخيرة وهو الأمر الثابت الوحيد في كل حياته المليئة بالتحولات والتقلبات، الثابت الذي لم تستطع كل هيجانات الثورات التي دمرت كل شيء أن تدمره، وذلك لسببٍ بسيط هو أنه كان مؤمناً به، مطموراً في بقعة بعيدة في نفس ذلك الموسيقي الملهم الذي دُمرت حياته مرات عديدة من الخارج لكنها في داخله كانت شيئاً واحداً، صلباً، ممتلئاً بحب ذي أبعاد ثلاثة "بغداد-الموسيقى- الحياة"..
من خلال سيرة يوسف أو حيدر أو كمال كان واضحاً أنه لم يؤمن بشكل واضح بدينٍ أو فكرة أو أيديولوجيا، أو وطن، بل كان يسخر من كل ذلك، وتشهد على ذلك النزوع الغريب رسائله التي لم تنقطع حتى وفاته إلى زوجته الأولى فريدة روبين في القدس..
"لم تتسم حياتي يوماً بالروح الوطنية الساذجة، بل كنت أكره هذه المشاعر جداً، فهي مصدر العنصرية والكراهية"..
فريدة روبين أصبحت فيما بعد أستاذة للأدب العربي في جامعة القدس بإسرائيل، استفاد علي بدر من الرسائل التي احتفظت بها لزوجها في تتبع خيوط حياته الغريبة ومحطاته المتأرجحة بين الموت والحياة والشك واليقين والمتع واللذة والألم والسخرية..
علي بدر قدم بيوغرافيا رائعة، وهبها كثيراً من خياله الخصب ولغته الجذلى، وأمتعنا بصور تلك الكاميرا غير المرئية التي ثبتها بمهارة في مكانٍ ما في جسد كمال مدحت ثم عندما استخرج جثته من احد مشافي بغداد ليدفنه في مقبرة الكرخ، أخرجها برفق ونزع الفيلم الذي ثبته فيها قبل ثمانين عاما وأهدانا ما فيه لكي نرى ونسمع ونعيش الحكاية تماماً كما حدثت وربما أفضل..
ولا أظن أن الروائي علي بدر كتبها لأنه اختارها بل لأنها اختارته لأسباب ثلاثية أيضاً، تجربته الصحفية الفريدة في العراق - جرأته - وما نستحقه نحن معشر القراء من نصوص بديعة..




 حامد الناظر

الثلاثاء، 6 يناير 2015

حكاية الصابرة

فاطمة كليين
دْبالَج الصْداق في يَديها لَمْعات
غارت منهم نْوادَر التْبن لَمْدَهبة، وجْميع لَبْنات
راحت عروسة لخيمة نْسابها؛ بزغاريد وبالما زْهَر لقاوها
بظلام الليل والمَسك؛ سْواد شعرها تْقارنو،
بياض وجهها يلمع؛ فيه يبان ضي القنديل وخيالو
سنان الجوهر وشفايف بَلْعمان، السْواك حْشم منها!
عَينيها كوحَل زيتون تسقي عْيون من شافها...
يَديها رَطبة رخيمة، الحنّة بهم فرحات
لغزالة من رجليها غارت وفي شْواري تغطّات
كان في بيتها سَرْجَم صغير؛
مع طريق السُّواقة تقابل، و تمّة الصابرة صلحات
من السَرْجَم كان يجي الغربي من الكُدْية، خْبار الدُّوار،
سلام الغادي وجاي، الغاشي... وشُعْلة حب قديم وغُنَّايات
"غادي نبني ليك رياض الورد بالخزامى وشجرة اللوز تْواتي زينك"
قدّام السَرجَم ؛ من الغيرة بنى صور عااالي؛
عالي قطع حَس السُّواقة لي كان على الخاطر يفاجي...
دار العام، وقف التْبن في الفدّان وزرع المتْمورة بان، والطُّلْبة قراوا القرآن
تَطْحن الزرع في الرْحى وخْمَر الشِّيار، سْخَن جْمَر لِشَكْوة اللبن والزنَّان
... وما بانت لا خزامى، لا شجرة اللوز ولا حوض الرَّيحان...
خطوط عَينيها بانو، مَرْوَد عينيها نْشَف وزْواق حنَّتها نِسْيان
رجليها تفلْحات ويَديها نشفات، حروف زينها تَنْسات
لَوْحَم بْحال لحْصاد جا في وقتو؛ يشاركها غدَّة لفراق وكِيْتو...
"الله يرزقني بْنِية تقرا ليا، تشوف من جّاج وتعيش هْنِية"


فاطمة كليين

الجمعة، 2 يناير 2015

موكب الشموع بمدينة سلا (دور الشمع)


رشيد حجوجي
1ـ نبذة عن تاريخ مدينة سلا:
أـ الموقع الجغرافي:
تقع مدينة سلا على الضفة اليمنى لنهر أبي رقراق عند مصبه في المحيط الأطلسي محاذية بذلك مدينة الرباط.
ب ـ تاريخ مدينة سلا:
 يشير المؤرخون الى أن النواة الأولى لمدينة سلا ترجع الى القرن الحادي عشر الميلادي (11م/ خلال العهد الموحدي، القرن الثاني عشر الميلادي 12م) شهدت المدينة تطورا حضاريا عكسته مجموعة منجزات يأتي في مقدمتها المسجد الأعظم الذي أنشأه يعقوب المنصور الموحدي سنة 1196م ويعتبر عهد المرينيين ، القرن الرابع عشر الميلادي(14م) فترة ازدهار عمراني وحضاري لا نظير له
ج ـالتراث المادي بمدينة سلا:
أسوار مدينة سلا:
تعتبر أسوار مدينة سلا المقابلة للأخرى بمدينة الرباط إحدى الحصون الدفاعية الأولى للمدينة، بنيت عبر حقب تاريخية مختلفة، دعمت بأبراج عظيمة لحماية المدينة من غارات الأساطيل الأجنبية، وبأبواب تختلف من حيث أهميتها التاريخية والجمالية، أهمها باب معلقة، باب سيدي بوحاجة( جنوبا)، باب الفران الذي يؤدي إلى دار الصنعة، باب فاس ما يسمى بباب الخميس، باب سبتة وأخيرا باب شعفة
باب المريسة: 


باب شعفة: 


باب الخميس: 


القنطرة التي بين سلا و الرباط:
 

باب البرج:


شاطئ سلا:

2ـ موكب الشموع (دور الشمع ) 
أـ دور الشمع والمظاهر الاحتفالية:

تشهد مدينة سلا المغربية كل سنة مهرجانا فريدا من نوعه، يجوب الشوارع بشموعه المصممة بطريق جميلة ومختلفة، وسط طقوس احتفالية وحضور واسع للمتفرجين الذين يأتون من كل حدب وصوب لاقتناص هذه اللحظات النادرة.
وتشتهر المدينة بحيوية سكانها وكرمهم الحاتمي واستقبالهم الحار للضيوف، وحبهم وعشقهم للثقافة والفنون، ومهاراتهم الحرفية، وامتلاكهم لأصابع من ذهب تنتج كل يوم ما هو ساحر وجميل يخطف الإعجاب من العيون. وتعتبر «قرية الفنون» للخزف في «الولجة» أكبر دليل على حفاظهم على هذا الموروث الشعبي. 
ومن هنا، فإن إجادتهم لصنع الشموع وسبكها في قوالب فنية مزركشة بالألوان، جزء من شخصيتهم. وليس ذلك بغريب عليهم، وهم الذين تركوا بصماتهم شاهدة على تفردهم بالإبداع، في المساجد والبيوت والمعالم الأثرية العمرانية التي يحفل بها تاريخ مدينتهم، من نقوش وفسيفساء وزخرفة مرمرية، مما جعلها تتطلع لأن تتصدر لائحة المدن والمواقع القديمة التي تصنفها منظمة اليونيسكو، ضمن التراث الإنساني العالمي للحفاظ عليه من الاندثار.
ب ـ قصة موسم الشموع :
 
و«موسم الشموع» تقليد ديني سنوي قديم يضرب بجذوره بعيدا في عمق تربة التاريخ الإسلامي. فقد كان أحد ملوك المغرب، وهو الملك السعدي أحمد المنصور الذهبي في زيارة إلى اسطنبول، فأثار إعجابه ما كانت تشهده من أجواء احتفالية تتمثل باستعراض الشموع في مواكب شعبية. وبقيت الفكرة راسخة في ذهنه بعد عودته. وما إن وضعت معركة «وادي المخازن» الشهيرة أوزارها، حتى سعى إلى تنفيذ هذا الحلم الذي كان يراوده. وهكذا استدعى أمهر صناع الشموع في كل من مراكش وسلا وفاس من أجل هدف واحد، هو صناعة هياكل شمعية على غرار ما شاهده في تركيا. وجرى الاحتفال الاول عام 986هـ. ومنذ ذلك التاريخ ظلت مدينة سلا محافظة على هذا الموعد السنوي مع طقسها الثقافي والديني والشعبي الخاص. تتهيأ له جيدا، وكأنها عروس تستعد لاستقبال عريسها، بما يليق به من حفاوة وزينة وبهاء! وفي كل عام جرت العادة بأن تبدأ الاستعدادات على قدم وساق، لتنظيم موسم الشموع الذي يعتبر فرصة سانحة للصناع التقليديين للتباري فيما بينهم وإبراز مواهبهم في الخلق والابتكار. ثمة عائلات معروفة تتبنى هذا الفن التراثي والشعبي المتمثل في صناعة الشموع، وهي على التوالي عائلة بنشقرون، وعائلة حركات وعائلة بلكبير، شغلها الأساسي هو أن تظل شعلة الشموع مستمرة، حية في الذاكرة الشعبية، متشبثة على الدوام بإحياء الموسم السنوي بكل ما يقتضيه من أصالة وتقاليد عريقة، لا بد من الحفاظ عليها.
ج ـ موكب الشموع قبلة السياح:

يستقطب موكب الشموع أفواجا من السياح، يأتون إلى مدينة سلا لحضور فعالياته وأنشطته وفقراته الدينية والثقافية والفنية، ويقفون مندهشين أمام روعة تنظيمه. إن الشموع ليست هي الشموع العادية المخصصة للإنارة، فهي مختلفة عنها تماما بأشكالها، وأكبر منها بأحجامها. وقد يصل طولها إلى مترين أو أكثر، بينما يتراوح وزنها بين 15 و50 كيلوغراما. وغالبا ما يتم وضعها ضمن هياكل من خشب سميك، مغلف بالورق الأبيض، وملون بأزهار تتعدد ألوانها، في إطار هندسي مستوحى من لمسات الزخرفة الإسلامية، وتقتضي العادة أن تعطى انطلاقة الموسم بعد صلاة العصر يوم 11 ربيع الأول من كل عام، حيث يتشكل «موكب الشموع» في ساحة السوق الكبير بالقرب من دار صانع الشموع، ويتقدمه الشرفاء وأنصار الزاوية الحسونية. 

ويرتدي المشاركون أزياءهم التقليدية، ثم يحملون الشموع فوق أكتافهم، ويرافق ذلك صوت قرع الطبول، والانغام التي تعزفها الفرق الموسيقية المتنقلة. ويمضي الموكب في طريقه، مخترقا أهم شوارع المدينة، ليتوقف في ساحة الشهداء أمام المنصة الرسمية للاحتفال، وفي هذا المكان تؤدى رقصات الشموع وسط تصفيق الحاضرين، وعدسات تصوير السياح، ثم يواصل الموكب سيره في اتجاه «دار الشرفاء» التي تشهد هي الأخرى حفلة تقليدية تساهم فيها النسوة والأطفال، في مناخ مشبع بالعطور والبخور والفرح. وتستمر الاحتفالات طيلة اليوم.



رشيد الحجوجي؛ باحث في التراث 

الثلاثاء، 30 ديسمبر 2014

إخلاصا للوطن

فرح أشباب
سألت جدي يوما، لماذا لم تطلب يوما الجنسية الفرنسية بعد انصرام خمسين سنة تقريبا على قدومك إلى فرنسا؟ أخبرني بعد أن مسح دمعة لا إرادية نزلت من عينه المريضة بسبب تقدمه في السن: "مانقدرش أبنتي، عمري فكرت أنني تكون عندي جنسية من غير الجنسية اللي عطاتها لي بلادي، أنا كن ماكانتش الظروف عمري نخرج و عمري نهاجر"
جدي الذي جاوز السبعين، غادر المغرب و هو في عمري تقريبا، عمل هناك و ربى أولاده هناك و بنى منزله و كل شيء هناك، لكنه لم يحس أبدا أنه ينتمي إلى "هناك".. كان يعود كل سنة و يقضي عطلته كلها في أرضه، يضحك ملء شدقيه، يأكل البطيخ و التين و زيت الزيتون و خبز الفرن و يضحك، يصعد إلى سطح البيت و يفترش زربية صغيرة و يستمتع بأشعة الشمس، يتكلم عن حياته في المغرب قبل أن يهاجر، عن عمله و أصدقائه، يتكلم دائما عن تلك الفترة التي قضاها في المغرب، و كأنه سجين تلك الأيام التي لن تعود.. يسكت لبرهة ثم يقول :"المغرب بلاد الخير و ناسو دراوش غير الله يجازي هادوك الفاسدين".
فأسأله "و علاش أبا سيدي ماترجع ليه؟ ياك بلادك و عزيزة عليك؟"
" أبنتي، أنا صحتي أنا و جدتك على قد الحال، نخاف غير نرجع و نموت فشي سبيطار غير بالفقصة، تما واخا البرد و الغربة و لكن مانخافش على صحتي و كرامتي تما عاطين قيمة للإنسان".
فألوذ بالصمت و يبدأ بحكي قصصه الجميلة المشاكسة
. 
قصة جدي ليست فريدة، لا تستحق وساما و لا درعا و لا سعفة، جدي كأمثاله الذين أحبوا الوطن حبا جما لكنهم غادروا رغم ذلك الحب. 
كلنا أو معظمنا لكي لا أظلم أحدا يردد في قرارة نفسه "الله يعفو علينا من هاد البلاد"، معظمنا سيوظب حقيبته و يغادر فرحا هاته البقعة الصغيرة المعتمة في نظره و يرحل إلى بقعة ضوء و لو كانت بعيدة إن أتيحت له الفرصة.
لو فقط سمعنا آهات هاته البلادْ التي لم تشتك يوما، صماء من شدة الحزن، تزهر أحسن الزهور، و تعطي أفضل الفواكه و أجود الخضر و الفواكه و الابتسامات و الأسماك و الدموع و الأطفال، فيها البحر و الجبل و الصحراء.. الكل يلعنها و ينهال بوابل من السب عليها، كعفيفة اتهمها قوم زان بالزنى و ماهي بزانية..
لو فقط كانت بحوزتي عصا سحرية، لحملتك يا وطني، بروحك و حبك و دفئك و مساكينك و دراويشك و مظلوميك، و أطفالك المغتصبين و شيوخك المضطهدين و أراملك الفقيرات و مشرديك، و وضعتك في مكان لا وجود فيه للذئاب و الخونة و العاقين و الانتهازيين و الذين لا ضمير لهم.. و إن كنتُ أنا منهم، فاغلق الباب في وجهي و لا تفتحه أبدا...

Haut du formulaire
Bas du formulaire


فرح أشباب

الاثنين، 29 ديسمبر 2014

عَمـّي

رامية نجيمة
ما أجملَ أن تزور بيت أخيكَ المتوفّى حديثاً، وتحشُر في يدِ ابنَته الوحيدة بِضع نقود، أنتَ الذي لم تزره قَطّ إبّان حياتِه.. كنتَ تأنفُ من دخول سَكنِه الصَفيحيِّ في ذلك الحيّ الذي َيسكنُه مِن البشر حُثالَتهم.. كنتَ تخاف أن تُخدش سيارتُك الفارِهة، ويُختم عليها بأطراف أصابعٍ قذِره.. كنتَ تخشى على حِذاءك الجلديّ الأصلي أن تُلوِّثه أوحالُ أرضٍ تُرِكت على هيئتها الأولى.. وكم كُنت تجزَع مِن أن تعلَم زوجتك، سليلة الحسب والنسب وأبناؤك مرتادو المدارس الأجنبية، أنَّ لكَ أخاً شقيقاً يعيش في سكن لا ترضونه حتى لكلبكم "روكي"!
لقد كنتَ متيقّناً مِن كونِ شقيقِك يحسُدك لأنّك الثريُّ الناجِح، وهو الفقير البئيس.. 
واليوم، ها أنتَ ذا تُسلِّم وُريقاتٍ نقدية لابنَته، وتعِد أن تزورَها بينَ الفينة والأخرى.. ثم تتمادى أكثر وتمنحُها رقم هاتفِك الخاص على أن تُهاتِفك كلَّما لزِمَها شيء. أنتَ تدرك جيّدا سبب حرصِك على الاهتمامِ بها. ولكن لِم الآن؟ لِم تزور هذا البيتَ بعد أن رَحل صاحِبُه؟ 
هل تحتاج حقا إلى طرح هذا السؤال؟ أنتَ تعرف أنك الآن مُجرّد رجلٍ يعطِف على أُناس يَقربونه من بعيد، أما مِن قبل فقد كنتَ تستحيي أن يعرف الناس أنَّ ذلك الفقير المُعدم يكون ابن أمّك وأبيك !
ليتكَ تماديتَ أكثر وعرضتَ أن تبحثَ لابنة أخيك عن وظيفة تقتات منها هي وأمها المريضة. لقد كان هذا كفيلا بأن يمسحَ جُزءاً مِن الذنب الذي يؤرّقك، لكنّك لَم تفعل.. ماذا كنتَ ستقول لِمن ستطلُب منهُ توظيفها؟
إن هذه البائسة التافهة خريجة المدارس العمومية تكون ابنة أخي؟ هل تجرؤ على ذلك؟ يمكنك أن تقول مثلا إنّها قريبة بعيدة، ابنة عم غير شقيق لأبيك أو أيّ شيء من هذا القبيل. لكن ماذا لو راحَت تقولُ للناس أنّك تكون عمّها؟ هل تقدّر فداحة المَوقف ها هنا؟ 
بالتأكيد أنت تقدِّره، كعادتك تقدّر كلَّ شيء وتحسب لكل أمر ألف حساب.. إنك أبعد ما تكون عن التعاطف أو التأثر، وكذلك كنتَ في تعاملك مع شقيقك يومَ طرق بابك مستجيرا مِن هموم ألمّت به، فلَم تكلِّف خاطرَك عناء الاستماع إليه وطلَبت مِن الخادمة أن تُخبره أنّك منشغل بأمر هام.
يا رجل ! أيُّ عملٍ هام هذا الذي يُمارسه المرء في بيته ويمنعه عن استقبال شريكه في الرّحم؟ ! كذلك فهم شقيقك أنك تتهرّب، ولم يعد يطرق بابك أبدا.. إنّه لم يفعل حتى عندما مرض ابنه البِكر بذلك المرض الذي يخشى الناس ذكر اسمه، لقد تعاون أهل الحي كلهم من أجل توفير بعض مستلزمات العلاج، لكن العلاج كان باهضاً، وأنت كنتَ بعيداً..
شقيقك الآن وابنه في عداد الموتى، وكل ما بقي مِنه ابنة وحيدة، وزوجة هَرمة مريضة؛ فلا بأس أن تزورَهما أو تُرسل لهُما مَعونة، حتى تنفضَ عنك ذِكريات الماضي الكئيب.
ما أجمل أن تكون لك ابنة أخٍ ميّت تستعرض عليها ثراءك، وما أسوء أن يمنعها حياؤها من تمزيق وريقاتك النقدية بعد أن تبصُق على وجهك القبيح !

رامية نجيمة

الأحد، 28 ديسمبر 2014

مع الشعوبي

فقرة كاريكاتير