أخر المقالات
تحميل...
ضع بريدك هنا وأحصل على أخر التحديثات!

عـــالــمـك الــخـاص بـــك!.

آخر المقالات

المقالات

الجمعة، 26 ديسمبر 2014

يحكى أن: درس الأستاذ فيليب

الإعلامي أسعد طه
لن يملك أحدكم إلا أن يضحك إذا ما شاهد هذا الرجل في هذا الموقف ، وجهه يتصبب عرقا بغزارة شديدة في يوم من أيام شتاء الإسكندرية ، كلتا يداه تمسكان بمقود سيارته الرينو البيضاء وبقبضة حديدية وكأنه يمنعها الفرار، يجلس منحنيا قليلا إلى الأمام ، مقطب الحاجبين ، يتطلع بصعوبة إلى الطريق الذي يبدو معتما من خلال الزجاج الذي غطته مياه الأمطار ، وقد أمتنعت المسّاحتان الأماميتان عن العمل ، وهو لا يملك إلا أن يردد "منك لله يا سعيد .. منك لله يا سعيد " ، أما الرجل فقد كنت أنا ، وأما سعيد فقد قال لي : شوف يا مستر ، معك الآن سيارتك وحصلت للتو على رخصتك وأنا لدي التزامات ومضطر لأن أتركك تقود سيارتك بنفسك وإن احتجت لشيء أبلغني ، وكأن سعيد لا يعلم كيف حصلت للتو وأمامه على رخصة قيادتي
في الاختبار النظري كان الممتحن يوجه لي السؤال على هذه الشاكلة : العلامة دي معناها إيه ، وقبل أن أهم بالإجابة كان يقول : تمام طيب ودي ، وهكذا حتى أنهيت الشطر النظري من اختبار قيادة السيارات بنجاح باهر لأتجه إلى الشطر العملي ، تركب سيارتك وتقود أمام جماهير الممتحنين في منحى ذهابا وإيابا ونجاحك مرتبط بألا تصطدم بأي علامات بلاستيكية وضعت على حدود الطريق ، والذي حدث أنني أطحت بها كلها ، في الحقيقة إلا واحدة ، غير أني حصلت على رخصة القيادة لأسباب معروفة بالطبع
والغريب أن قيادة السيارات استهوتني تماما ، وأنا الذي كنت أعتقد أنها مسألة مستحيلة ، آخر ما تصورت أنه بمقدوري أن أفعله هو أن أقود سيارة ، كيف للمرء أن يمسك بالمقود ويحرك مغير السرعات ويستخدم قدميه لدفع الوقود أو للفرامل وأن يرقب الطريق الخلفي بواسطة المرآة الأمامية ، والطريق الجانبي بواسطة المرآتين الجانبيتين ، ذلك كله في وقت واحد ، والأدهى أن يتحدث مع مرافقيه ، تلك بالفعل هي المهمة المستحيلة ، لكني قررت خوضها عندما تذكرت درس الأستاذ فيليب
في مقهى المحطة الرئيسية لمدينة فرانكفورت كنت أجلس كل يوم أحتسي الشاي واضعا أمامي كومة من الجرائد العربية الرئيسية وقد استنفذت قروشي القليلة ، أقرأ الخبر ذاته هنا وهناك ، وأقارن الصياغة المتعددة ، ثم أرصد تطور الخبر بين ما نشر أمس والمنشور اليوم ، أحاول أن أتعلم كيف يصاغ الخبر عن قضية ما ، ثم كيف تتطور صياغته كل يوم ، لقد قررت أن أعلم نفسي بنفسي مهنة الصحافة ، وأنا الذي لم أدرسها لا من قريب ولا من بعيد ، كان المشهد للأصدقاء هزليا ، من أنت وماذا تفعل وكيف لك أن تضع نفسك رهن حلم عظيم المنال ، لكني خضت التحدي ، وعلى صعيدين ، الأول أن أعلم نفسي بنفسي ، والآخر أن أجد موطئ قدم لي في أي مؤسسة إعلامية ، ما تركت صحيفة ولا مجلة إلا وراسلتها ، كنت أشتغل في مهن مختلفة حتى أصرف ما أجنيه منها على معيشتي اليومية وعلى تعليم نفسي ثم على إعداد مقالات لا أعرف إذا كنت سأنجح في إقناع أحد بنشرها ، كنت أدرك أن ثمة موهبة قد منحني الله إياها ، لكنها ليست كافية لتلحقني بهذا الدرب ، كنت مؤمنا بأنه يجب أن أبذل جهدا جبارا لأتمكن من صقل موهبتي ، ومن أن أضع قدمي على أول الطريق ، كانت فكرة الدأب والسهر والحمى والإصرار والتجربة تلو التجربة هي التي تدفعني إلى العمل بعد أن تذكرت درس الأستاذ فيليب
أنا نفسي كنت مندهشا من عدم قدرتي على رسم أبسط الأشياء ، كانت درجاتي هي الأدني في مادة الرسم في فصلي كله ، ولأني كنت في الشهادة الإعدادية ، ولأن درجات هذه المادة تضاف إلى الدرجات النهائية ، ولأن والدي يرحمه الله كان حريصا على أن أحافظ على تفوقي في المواد كلها فقد أقترح علي اقتراحا غريبا ، ربما تحدثت عنه مدرسة طنطا الإعدادية ، وأعتبره تلاميذها أنه من سخافات أهل قناة السويس الذين قدر لهم مثلي أن تكون هجرتهم إلى بلادهم عقب نكسة سبعة وستين
حدثت على خجل صديقي ناجي عن رغبتي في الحصول على درس خاص من والده المدرس بنفس المدرسة ، وبعد التعبير عن الاندهاش الشديد ذهبت إلى الحصة الأولى ، أستطيع أن أدعي إني حينها كنت التلميذ الوحيد في بر مصر الذي يتردد على درس خاص للرسم ، حدثني الأستاذ عن الإرادة ، وقال حازما دونها لن تتمكن من صنع أي شيء أو تحقيق أي إنجاز ، تكلم عن الثقة بالنفس كعامل أساسي لضمان النجاح ، ثم أتى برسومات لمشاهير الرسامين ووضعها أمامي وقال أختر واحدة وأرسم مثلها ، غضبت وقلت له أتستهزأ بي يا أستاذ ، أنا لا أجيد رسم أبسط الأشياء ، فكيف يمكنني مضاهاة المشاهير من الرسامين ، فذكرني بالإرادة ، وحدثني عن المران ، وأن الصبر والدأب عليه سيضعك في مركز أقرب لمن رٌزق الموهبة ، وبدأ يشرح لي كيف أن الأمر ليس في الحقيقة مستحيلا ولا صعبا كما أتخيل ، وجه الرجل مثلا يمكن أن يكون هكذا كبيضة ، ثم نعدل هذا قليلا وذاك أيضا وهذا بعض الشيء فيصبح هكذا رسما جميلا لوجه
كل ليلة وبعد أن أنهي مذاكرتي أبدأ في المران ، كنت سعيدا بالتحدي ، وكنت أحقق تقدما باضطراد ، أدهشني أنا نفسي ، إلى أن جاءت نتيجة آخر العام لأتحصل على ثمانية عشر درجة من أصل عشرين ، فيما حصل أصدقائي الموهوبون على عشرين ، أي بفارق درجتين ، وتذكرت نتيجة أول اختبار للرسم لي وقبل درسي الخاص والتي كانت ثلاث درجات برتبة راسب ، لقد سعد والدي رحمه الله بالنتيجة أيما سعادة ، شعر أن فكرته أثمرت ، وأنه أصاب في قراره ، لكن ما لم يعرفه أن نتيجة الدرس الخاص تجاوزت الرسم إلى حياتي كلها ، ذلك أنه ما من تحدي خضته إلا وتذكرت درس الأستاذ فيليب.
أسعد طه
ينشر بالاتفاق مع الكاتب.


شاركها مع أصدقائك!
تابعني→
أبدي اعجابك →
شارك! →

1 التعليقات :

  1. How to bet in USA - DrMCD
    In this 제천 출장마사지 guide, we will 남원 출장안마 cover the basic basic 여주 출장샵 steps you need to know before placing your 군포 출장마사지 bet. Also we will share information you 시흥 출장마사지 need to make

    ردحذف