أخر المقالات
تحميل...
ضع بريدك هنا وأحصل على أخر التحديثات!

عـــالــمـك الــخـاص بـــك!.

آخر المقالات

المقالات

الثلاثاء، 9 ديسمبر 2014

السيدة والخادمة

رامية نجيمة

 "منذ عشر سنوات وأنتما تخدعانني وتمارسان الرذيلة في بيتي!"
قالت مريم وهي تتحسس بيدها الأريكة خلفها قبل أن تهوي عليها منهارة:
لكنه ردّ مُستفزا، وبسلاطة لسان لم تعهدها فيه من قبل:
- "لا تسمي علاقتنا رذيلة لقد قلت لك نحن متزوجان منذ عشر سنوات"
- "وماذا تسمي زواجك مِن خادمتي، في بيتي، سرا، وأنا أقاسمك الفراش منذ سبعة عشر عاما؟ تتقابل نظراتنا كل يوم وتتقاطع خطواتنا، تطعنني في ظهري كلما أشحت عنك بوجهي، إذا لم تكن هذه رذيلة فما هي الرذيلة إذن؟ ألست أنت الأستاذ المحترم، ومربّي الأجيال، والحاصل على دكتوراه في علوم اللغة، ربما التبست الأمور علي أنا، لكنها يستحيل أن تلتبس عليك وأنت صاحب المنطق والحجة، والأدرى - إذن- بالرذائل وخباياها!"
لم يتحمل الزوج مزيدا من الإهانات في حضور زوجته الثانية، فانفجر قائلا:
- "الرذيلة يا سيدة المجتمع الراقي يا رئيسة جمعية حقوق المرأة، ومؤسسة رابطة النساء الناشطات، أيتها المثقفة المشغولة دائما، الرذيلة هي أن أكون متزوجا منذ أزيد من عشر سنوات، وطيلة هذه الفترة أعود كل يوم من عملي لأجد زوجتي خارج البيت فآكل وحدي وأشاهد التلفزيون وحدي وبعد أن أتعب من الانتظار أنام وحدي، وحين أستيقظ تكونين أنت لا تزالين نائمة من إرهاق السهر فأبدل ثيابي وأفطر وحدي وأقرأ الجرائد وحدي، وأذهب إلى عملي وحين أعود لا أجد غير هذه "الخادمة"، ترعاني وتهتم لأمري تعرف مواعدي وأسباب انشغالي.. إن هذه المرأة الواقفة أمامك الآن، هذه المطأطئة في صمت كما ترينها، هي التي كانت تعد لي طعامي وهي التي كانت تحضر لي قهوتي وهي التي كانت تعرف دائما مكان نظاراتي وحقيبتي، هي التي كانت تلملم الأوراق المبعثرة على مكتبي، وهي التي كانت تعرف مكان ربطة عنقي، وهي التي كانت تستقبل ضيوفي، وحين مرضت كانت تعتني بي...و..
- صه! كفاك استفزازا لمشاعري! ألهذا استبدلتني بالخادمة؟ بسبب ربطة عنقك الضائعة، والقهوة التي لم تكن تجد من يعدها لك؟ أنا التي أعلّم النساء كيف يكنّ عصاميات كيف يعتمدن على أنفسهن ويتحررن من سجن الرجل يستبدلني زوجي بالخادمة لأنه كان يفطر وحده في الصباح؟ حقا ما أحقرك من رجل!
زمّ نجيب شفتيه، ثم تنهد بعمق ونظر إلى الخادمة وهو يقول:
- هيا يا خديجة، لملمي أغراضك، ولنرحل من هنا على الفور
أومأت الخادمة بالإيجاب وذهبت إلى غرفتها تاركة الزوج يضع ثيابه في حقيبة، أما مريم فقد أطلقت ابتسامة حاولت أن تجعلها طبيعية قدر الإمكان وقامت بثقة امرأة مجروحة وهي تقول:
"وإلى أين ستأخذ امرأة بهذا المستوى الضئيل؟ إلى أحد الفنادق الفخمة التي كثيرا ما تناولنا فيها العشاء؟ أم أنك لا تذكر إلا الايام التي كنت تشاهد فيها التلفزيون وحدك؟!"
ودون أن يرفع رأسه أو يتوقف عن جمع أغراضه قال الزوج باستهزاء وكأنه يحاول الإمعان في إهانة مريم:
وما حاجتنا إلى فندق ونحن نمتلك منزلا؟
لم تتمالك الزوجة نفسها، سقطت جالسة على السرير وضعت يدها على فمها كأنها تود أن تكبت صرخة وصاحت في ذهول:
-   تمتلكان منزلا؟
- نعم، لقد كنا نمضي هناك أياما كلما سافرتِ إلى بلد ما، وما أكثر سفرياتك، هل تذكرين؟
لم ترد مريم لقد صعقت فعلا، وهي الآن دائخة إنها غير قادرة على استيعاب الموقف، لعل هذا يكون حلما؟ لعلها تتخيل، أو ربما هي في غيبوبة، زوجها متزوج من خادمتها منذ سبع سنوات، واشترى لهذه الخادمة بيتا ليضمهما معا، لقد كان زوجها خائنا، بل ممعنا في الخيانة، وهي التي ضحت وأفنت عمرها في خدمته ومنحته كل شيء... ما أقسى أن تأتيك الخيانة وأنت منشغلة في تأسيس حياة أجمل لكِ ولأهل بيتك، وما أصعب أن تعلق كل الأخطاء على مشجبك وكل ذنبه أنه ملك لامرأة..
غادر الزوج الغرفة متوجها نحو الباب ولحقته الخادمة، ووقفت مريم تتأمل الخادمة التي لا تصغرها بكثير، لكنها تفوقها رشاقة وأناقة، تضع أكسسوارات مختارة بعناية وفي يدها نظارات شمسية من الطراز الرفيع، ما هذا؟ أيعقل أن تكون هذه هي الخادمة؟ كيف لم تعرها انتباهها من قبل؟ كيف كانت منشغلة إلى الحد الذي أعماها عن حقيقة ما يدور في بيتها؟

صُفِق الباب وبقيت مريم واقفة تتأمل يديها وتتحسّس بهما وجها تبددت ملامحه تحت وطأة خطوط وترهلات، إن خادمتها كانت أكثر اعتناء بنفسها من سيدة البيت. أحست بغصة، لكنها بكت بمرارة حين رأت من زجاج النافذة زوجها يغادر مع السيدة "الخادمة" في السيارة، ولأول مرة في حياتها شعرت بأنها لم تكن سيدة قط، بل طوال الوقت كانت هي الخادمة.

رامية نجيمة

انقر هنا لقراءة النص من مصدره.

شاركها مع أصدقائك!
تابعني→
أبدي اعجابك →
شارك! →

0 التعليقات :

إرسال تعليق