أخر المقالات
تحميل...
ضع بريدك هنا وأحصل على أخر التحديثات!

عـــالــمـك الــخـاص بـــك!.

آخر المقالات

المقالات

الثلاثاء، 9 ديسمبر 2014

لْقَطْعَة

رشيد بلفقيه

يبدأ الصباح حين ينتهي الليل .. مباشرة. يبدأ صامتا من الوريد إلى الوريد، عاديا قاتلا مفرغا، كلوح خشب أتت عليه قبائل أرضات شرهة فتجوّف. هو على العموم يبدأ دوما بهذه الطريقة مند سنوات خلت.
يفتح صفحة يوم جديد .تلتبس الانتظارات الكثيرة يمازجها التوقع المدقع. يفتح عينيه ملء أجفانه على هذا النور المنبجس في جرأة كرغبة مكبوتة من جنبات هذا النهار الجديد ، هذا الزمن الجديد ، هذا العمر الجديد هذا ال…… ويشرع في ممارسة يومه .
في لحظة واحدة تمارسه بروميتية مصيره الأعوج، وتبدو الحياة نسخة ممجوجة مكررة، نسخة لحياة يمارسها أو تمارسه لا فرق، منذ سنوات.
يتقدم النهار ببطء شديد ،خطوط حمراء و برتقالية تدرجات لونية لا حصر لها للأحمر القاني تتراءى أمامه بمجرد أن يطبق جفنيه ، صداع مزعج يعصف بالرأس و يحول كل لحظة زمنية بسيطة إلى ما يشبه الخطوة الشاقة لجسد يحاول الصعود إلى مكان شاهق محملا بأثقال ،كل لحظة تمر هي مأزق مرير يدفع بالأعصاب المتشنجة سلفا إلى مزيد من التوتر و التوتر ..
يخبو كل شيء فجأة كما اندلع فجأة ،يستمر الهدوء للحظات لكن تعبره فكرة أو خاطرة بسيطة فيعود الذهن ليغلي كمرجل موشك على الانفجار ينقلب كل شيء عقبا على رأسه ، تزداد الأعصاب توترا يعود الصداع و الطنين للرأس الغارقة في ضجيج داخلي و تنفتح دوامة الأحمر القاني من جديد ليزيغ البصر .
قد كان وكان الأمل ،و لسنوات ظل الانفلات قانونه في العيشٍ .كان يجيد معانقة الحياة مرددا أيها الربيع الدامي أيها العمر القادم من هنا من هنا كي تنفجر الأرض في الآفاق ورودا و سواقي ،لكن بعد أن نزف عرقا و سنوات عجاف توالت كأنها أسراب غيم بلا مطر، بدأ يفهم حين المأدبة أنه ينتمي لطبقة الأيتام و انه لا يملك من هذا العالم سوى أحلام وغبار متفلت.
بدل لبلاصة
يتقدم النهار برتابة، شمس الظهيرة بدأت تلجئ الجميع الى بيوتهم، طلبا لظل ظليل. وحده تقريبا يتسكع بين منازل حي القدس المشتعلة، والتي يزيد تكدسها كيفما اتفق قرب بعضها بلا مساحات من إيحاءات الاختناق و الضيق و النفور.
تمشّى جيئة و ذهابا بالقرب من مقهى لباطو لخاسر التي تتوج شارع لقواس، لا أحد ممن يعرفهم هناك، طاولة البلياردو الجامد مستسلمة في صمت للجمود. فقط النادلة الشبه نائمة تطرد الذباب عن وجهها بحركة كسولة لا إرادية لوح لها تظاهرت بعدم رؤيته تمتم بغيظ سبابا بذيئا تطايرت تفاصيله في الفضاء ،ثم عبر الشارع ، الرأس تطن طنينا لا شيء يستفز الاهتمام، أقعى القرفصاء قرب بائع الزريعة للحظات قبل أن يحرك رجلاه في اتجاه مدرسة الأمل ، من بعيد لاحت له المساحة الخضراء الممتدة بين الشارعين و هي تصطلي بِحرّ الشمس فقط النباتات الشاحبة تقف متحدية ثابتة في مكانها . توقف قليلا و رجع ليدور حول المحل .
رمقه البائع بنظرة شزرة، فابتسم ابتسامة عريضة و سأله
*ما بانش شي واحد في الدراري !
 
………….*
*
مية في المية مشاو لشي بلاصة !
 
………*
استدار البائع و دلف إلى داخل المحل أو لعله جلس فلم يعد يبدو منه شيء.
*
بلعزوة لاخر كبر ليك الشان .
لم يكن للمصير أن يحدد التفاصيل، كان دائما يحدد الخطوط العريضة ويتموقف في اقرب تقاطع متربصا مراقبا في صمت و ترصد، و نهاراته التي تمناها خالفته الرأي وتموقفت مع المصير تنتظر و كأنه يملك من أنماط التعاسة أكثر من اختيار.
.مرجل الشمس يزداد حرارة شيئا فشيئا، و الرغبة في سيجارة قد وصلت حد لقطعة ، فكر في التسكع مرة أخرى لكن الوجهة كانت منعدمة.
في عمره كان ينبغي ان يكون له ابنا في المدرسة، هذا ما سمعه مرارا من العديد من الافواه تلك المدرسة التي قذفته للشارع بُعَيْد ثلاث أو بالكاد سنوات قضاها في ما يشبه المسلخة ..
*
علاش كنمشيو للمدرسة ..
*
باش تقرا يا راس لكيدار و تتعلم .
*
و لكن أنت كاع ما قاري ألواليد ، و . فرقعة الخمسة أصابع على القفا المتورمة أخرسته معيدة الأمور إلى نصابها و البقية جاءت كما اتفق .
انطلق بعد ذلك مصادرا حق الأرزاء في تثبيط مساعيه، مؤجلا موعده مع الحياة لعمر ثان ،سرق من الآلهة نارها وصنع بنفسه ظلام نفسه لست أهاب الرحلة بعد ، فحيثما طريق سأشهر خطواتي.
لكن الطرق تتابعت و الخطوات الراكضة في البداية تناقصت سرعتها شيئا فشيئا حتى توقفت و كان الرماد أغلى ما استطاع ادخاره.
فتفرغ للحياة يذكيها كلما خبت 
رقصا 
فوضى ، تمردا 
و أغاني..
لمونتيف
*بنادم هو اللي يضبر على راسو !
مشى ثم عاد للقرفصة ، الدائرة المفرغة تزداد ضيقا: مال والدين مو هاد النهار؟ ، من بعيد يلمح نافذة سيارة ركنها صاحبها للتو أمام حانوت، و يبدو أنه ترك نافذتها شبه مفتوحة تأملها مرارا ،لعن الشيطان و غض بصره في البداية، لكن الشيطان أفحمه بان الشيطان الحقيقي هو بنادم .
فرقعة الكف العريقة ذات الأصابع الخمسة على القفا و السباب النابي ثم فكرة حتى أنت ألعزوة كبر ليك الشان . تدفعانه مرة واحدة إلى الوقوف و المشي بحذر، يتقدم نحو النافذة الشبه مفتوحة يلمح شيئا ما قرب المقود. نحو الهمزة يمد يده بقبضة مغلقة كأن الأصابع ترفض الاستجابة في البداية ثم تطاوعه و تمتد .تُحكم اليد قبضتها بآلية على الغنيمة يستدير ممنيا النفس بإطلاق ساقيه المنهكتين للريح لكن.. لكمة قوية تعيده إلى الأرض. 
*
أحصلتي ا بلشفار لاخر

من حيث لا يدري يرتفع صوت أو صوتين ، عطي لحمار بوه عطيه من أين خرج هؤلاء الناس ؟ فين كانوا ؟ يحاول التكور ليحتمي من الركلات المنهالة عليه ،صوت متحسر -ربما- لم يميزه في مهرجان الرفس الذي أقيم على شرفه ..
*
مشا فيها ولد الكبيرة .. هاديك را طوموبيل ديال بوليس .
رشيد بلفقيه  

شاركها مع أصدقائك!
تابعني→
أبدي اعجابك →
شارك! →

0 التعليقات :

إرسال تعليق