أخر المقالات
تحميل...
ضع بريدك هنا وأحصل على أخر التحديثات!

عـــالــمـك الــخـاص بـــك!.

آخر المقالات

المقالات

الثلاثاء، 16 ديسمبر 2014

أسرة "كافرة"



  
صفاء فرادي

أمام المقهى المطل على البحر طفل يلعب بنزق، ذكرني قليلا بطفولتي ، حيث كنت أجد دائما سببا للسعادة العارمة من لا شيء. صوت ضحكته يملأ أرجاء المكان، يركض بين الكراسي بشغب يثير حفيظة بعض الزبناء.. كنت أراقبه من مكاني وأبتسم، أحببته كثيرا رغم براءته الشرسة.. غير بعيد عن مكان جلوسي، يقعد والداه، يراقبانه بفتور كمن يؤدي واجبا عسكريا، ينتظران موعد الرحيل بينما هما منسجمان في حديث داخلي، الزوج مركز تماما في صحيفته، جريدة صفراء صفحتها الرئيسية ملأى عن آخرها بالجرائم و الفضائح، والزوجة تعانق بعينيها الأفق بنظرات تائهة ضائعة، تعيدها بين الفينة والأخرى صوب طفلها لكن سرعان ما تعيدها إلى الأفق، عيناها ذابلتان رغم طبقات الكحل الموضوعة فوقها بعناية زائدة لإخفاء التعب، امتزج لون الشفق بلون سحنتها الشاحبة فبدت كلوحة سومرية غابرة.. 
    وضع زوجها الجريدة بغتة فوق الطاولة كمن تذكر شيئا مهما، التفت نحوها قائلا: "لقد حان موعد الذهاب، بعد قليل سينادي المؤذن لصلاة المغرب فلنؤديها في مسجد الحسن الثاني" انتفضت واقفة ونادت بصوت خافت مبحوح على طفلها، أشرقت عند سماعه أسارير بعض الزبائن والعاملين بالمقهى، أخيرا سيتخلصون من عبث هذا الشيطان الصغير، حتى بائعة الورد لم يدعها وشأنها فآثرت بيع ورودها على الرصيف عوض تلقي لسعاته على مؤخرتها المكتنزة !! 
  تقدم الزوج، والزوجة والطفل وراءه وخلفهم لسان حالي يقول: هل جئتما لتكملا مسلسل صمتكما أمام الملأ ؟ لكي تُشهدا البحر على انسجامكما الباذخ في النفور؟ منذ أن جلستما لم تنبسا ببنت شفة، كل واحد منكما غارق في حديث داخلي، اللهم ساعة الرحيل لأداء الفريضة، ألا تعلمان أنكما كافران بدين الحب ؟ كيف ستتوجهان بقلبكما للقبلة وهو ملحد بالأحاسيس لا يخشع ؟!
هذه "أسرة ناجحة" في نظر المجتمع لا لشيء سوى لأن الزوجة توثر الصمت على الرفض، تشبعت بفكرة الحرام قبل الخطأ والصواب، فلم تعد تفقه من دينها سوى اللباس و كيف تطيع زوجها وكيفية الغُسل، أما الزوج فهو الآمر الناهي كلمته تسري على الكل كأنها قرآن منزل، ومقتنع بأن الإسلام أنصف المرأة حين أمرها بطاعة زوجها لأنهن ناقصات عقل... عدت بمخيلتي من وادي تصورات ابن تيمية والطريقة الوهابية ولملمت أشيائي من فوق الطاولة بكسل بينما كان صوت آذان المغرب يداعب مسامعي بهدوء !!  


صفاء فرادي

شاركها مع أصدقائك!
تابعني→
أبدي اعجابك →
شارك! →

1 التعليقات :