أخر المقالات
تحميل...
ضع بريدك هنا وأحصل على أخر التحديثات!

عـــالــمـك الــخـاص بـــك!.

آخر المقالات

المقالات

الثلاثاء، 30 ديسمبر 2014

إخلاصا للوطن

فرح أشباب
سألت جدي يوما، لماذا لم تطلب يوما الجنسية الفرنسية بعد انصرام خمسين سنة تقريبا على قدومك إلى فرنسا؟ أخبرني بعد أن مسح دمعة لا إرادية نزلت من عينه المريضة بسبب تقدمه في السن: "مانقدرش أبنتي، عمري فكرت أنني تكون عندي جنسية من غير الجنسية اللي عطاتها لي بلادي، أنا كن ماكانتش الظروف عمري نخرج و عمري نهاجر"
جدي الذي جاوز السبعين، غادر المغرب و هو في عمري تقريبا، عمل هناك و ربى أولاده هناك و بنى منزله و كل شيء هناك، لكنه لم يحس أبدا أنه ينتمي إلى "هناك".. كان يعود كل سنة و يقضي عطلته كلها في أرضه، يضحك ملء شدقيه، يأكل البطيخ و التين و زيت الزيتون و خبز الفرن و يضحك، يصعد إلى سطح البيت و يفترش زربية صغيرة و يستمتع بأشعة الشمس، يتكلم عن حياته في المغرب قبل أن يهاجر، عن عمله و أصدقائه، يتكلم دائما عن تلك الفترة التي قضاها في المغرب، و كأنه سجين تلك الأيام التي لن تعود.. يسكت لبرهة ثم يقول :"المغرب بلاد الخير و ناسو دراوش غير الله يجازي هادوك الفاسدين".
فأسأله "و علاش أبا سيدي ماترجع ليه؟ ياك بلادك و عزيزة عليك؟"
" أبنتي، أنا صحتي أنا و جدتك على قد الحال، نخاف غير نرجع و نموت فشي سبيطار غير بالفقصة، تما واخا البرد و الغربة و لكن مانخافش على صحتي و كرامتي تما عاطين قيمة للإنسان".
فألوذ بالصمت و يبدأ بحكي قصصه الجميلة المشاكسة
. 
قصة جدي ليست فريدة، لا تستحق وساما و لا درعا و لا سعفة، جدي كأمثاله الذين أحبوا الوطن حبا جما لكنهم غادروا رغم ذلك الحب. 
كلنا أو معظمنا لكي لا أظلم أحدا يردد في قرارة نفسه "الله يعفو علينا من هاد البلاد"، معظمنا سيوظب حقيبته و يغادر فرحا هاته البقعة الصغيرة المعتمة في نظره و يرحل إلى بقعة ضوء و لو كانت بعيدة إن أتيحت له الفرصة.
لو فقط سمعنا آهات هاته البلادْ التي لم تشتك يوما، صماء من شدة الحزن، تزهر أحسن الزهور، و تعطي أفضل الفواكه و أجود الخضر و الفواكه و الابتسامات و الأسماك و الدموع و الأطفال، فيها البحر و الجبل و الصحراء.. الكل يلعنها و ينهال بوابل من السب عليها، كعفيفة اتهمها قوم زان بالزنى و ماهي بزانية..
لو فقط كانت بحوزتي عصا سحرية، لحملتك يا وطني، بروحك و حبك و دفئك و مساكينك و دراويشك و مظلوميك، و أطفالك المغتصبين و شيوخك المضطهدين و أراملك الفقيرات و مشرديك، و وضعتك في مكان لا وجود فيه للذئاب و الخونة و العاقين و الانتهازيين و الذين لا ضمير لهم.. و إن كنتُ أنا منهم، فاغلق الباب في وجهي و لا تفتحه أبدا...

Haut du formulaire
Bas du formulaire


فرح أشباب

شاركها مع أصدقائك!
تابعني→
أبدي اعجابك →
شارك! →

0 التعليقات :

إرسال تعليق