أخر المقالات
تحميل...
ضع بريدك هنا وأحصل على أخر التحديثات!

عـــالــمـك الــخـاص بـــك!.

آخر المقالات

المقالات

الاثنين، 29 ديسمبر 2014

عَمـّي

رامية نجيمة
ما أجملَ أن تزور بيت أخيكَ المتوفّى حديثاً، وتحشُر في يدِ ابنَته الوحيدة بِضع نقود، أنتَ الذي لم تزره قَطّ إبّان حياتِه.. كنتَ تأنفُ من دخول سَكنِه الصَفيحيِّ في ذلك الحيّ الذي َيسكنُه مِن البشر حُثالَتهم.. كنتَ تخاف أن تُخدش سيارتُك الفارِهة، ويُختم عليها بأطراف أصابعٍ قذِره.. كنتَ تخشى على حِذاءك الجلديّ الأصلي أن تُلوِّثه أوحالُ أرضٍ تُرِكت على هيئتها الأولى.. وكم كُنت تجزَع مِن أن تعلَم زوجتك، سليلة الحسب والنسب وأبناؤك مرتادو المدارس الأجنبية، أنَّ لكَ أخاً شقيقاً يعيش في سكن لا ترضونه حتى لكلبكم "روكي"!
لقد كنتَ متيقّناً مِن كونِ شقيقِك يحسُدك لأنّك الثريُّ الناجِح، وهو الفقير البئيس.. 
واليوم، ها أنتَ ذا تُسلِّم وُريقاتٍ نقدية لابنَته، وتعِد أن تزورَها بينَ الفينة والأخرى.. ثم تتمادى أكثر وتمنحُها رقم هاتفِك الخاص على أن تُهاتِفك كلَّما لزِمَها شيء. أنتَ تدرك جيّدا سبب حرصِك على الاهتمامِ بها. ولكن لِم الآن؟ لِم تزور هذا البيتَ بعد أن رَحل صاحِبُه؟ 
هل تحتاج حقا إلى طرح هذا السؤال؟ أنتَ تعرف أنك الآن مُجرّد رجلٍ يعطِف على أُناس يَقربونه من بعيد، أما مِن قبل فقد كنتَ تستحيي أن يعرف الناس أنَّ ذلك الفقير المُعدم يكون ابن أمّك وأبيك !
ليتكَ تماديتَ أكثر وعرضتَ أن تبحثَ لابنة أخيك عن وظيفة تقتات منها هي وأمها المريضة. لقد كان هذا كفيلا بأن يمسحَ جُزءاً مِن الذنب الذي يؤرّقك، لكنّك لَم تفعل.. ماذا كنتَ ستقول لِمن ستطلُب منهُ توظيفها؟
إن هذه البائسة التافهة خريجة المدارس العمومية تكون ابنة أخي؟ هل تجرؤ على ذلك؟ يمكنك أن تقول مثلا إنّها قريبة بعيدة، ابنة عم غير شقيق لأبيك أو أيّ شيء من هذا القبيل. لكن ماذا لو راحَت تقولُ للناس أنّك تكون عمّها؟ هل تقدّر فداحة المَوقف ها هنا؟ 
بالتأكيد أنت تقدِّره، كعادتك تقدّر كلَّ شيء وتحسب لكل أمر ألف حساب.. إنك أبعد ما تكون عن التعاطف أو التأثر، وكذلك كنتَ في تعاملك مع شقيقك يومَ طرق بابك مستجيرا مِن هموم ألمّت به، فلَم تكلِّف خاطرَك عناء الاستماع إليه وطلَبت مِن الخادمة أن تُخبره أنّك منشغل بأمر هام.
يا رجل ! أيُّ عملٍ هام هذا الذي يُمارسه المرء في بيته ويمنعه عن استقبال شريكه في الرّحم؟ ! كذلك فهم شقيقك أنك تتهرّب، ولم يعد يطرق بابك أبدا.. إنّه لم يفعل حتى عندما مرض ابنه البِكر بذلك المرض الذي يخشى الناس ذكر اسمه، لقد تعاون أهل الحي كلهم من أجل توفير بعض مستلزمات العلاج، لكن العلاج كان باهضاً، وأنت كنتَ بعيداً..
شقيقك الآن وابنه في عداد الموتى، وكل ما بقي مِنه ابنة وحيدة، وزوجة هَرمة مريضة؛ فلا بأس أن تزورَهما أو تُرسل لهُما مَعونة، حتى تنفضَ عنك ذِكريات الماضي الكئيب.
ما أجمل أن تكون لك ابنة أخٍ ميّت تستعرض عليها ثراءك، وما أسوء أن يمنعها حياؤها من تمزيق وريقاتك النقدية بعد أن تبصُق على وجهك القبيح !

رامية نجيمة

شاركها مع أصدقائك!
تابعني→
أبدي اعجابك →
شارك! →

0 التعليقات :

إرسال تعليق