أخر المقالات
تحميل...
ضع بريدك هنا وأحصل على أخر التحديثات!

عـــالــمـك الــخـاص بـــك!.

آخر المقالات

المقالات

السبت، 8 نوفمبر 2014

الصلاةُ بعيداً..


رامية نجيمة
"لابد أنّها ضيفَةٌ عند أحد الجيران" همَست إحدى المُصلِّيات في الليلة الأولى مِن الشهر الفضيل. "أو أنّها عابرةُ سبيل، مرّت بالسيّارة مع زوج أو قريب.." قالت أخرى، ثمَّ سُرعان ما تمَّ تداول هذه الافتراضات بين باقي المُصليات قبل أن يعلن الإمام بَدء صلاة التراويح..
لقد كانت هذه أول مَرة تقع أعينُهنَّ عليها؛ فهي لم تُصلِّ معهن في هذا المسجد مِن قبل، إنها ليسَت مِن هذا الحي ولا من أيٍّ من الأحياء المجاورة. وكلُّ المصليات على كثرتهن في ذلك اليوم كُنَّ إما جارات أو صديقات أو زميلات دِراسة.. ذلك أنَّ المَسجد الذي يضمهُنّ يقَع في دُوّار سكنيّ صغير؛ فلا غرابة أن يتعارف كلُ مَن فيه.
انهمَكت مُنى في صلاة خاشعة أذرفت خلالها الكثير من الدموع، وانتفضت فيها مع كل آية قُرِأت، ومع كلِّ تكبيرة صدَحت بها الأصوات في جنح الليل.. كانت تخنقها العبرات خلال السجود، فتشهق بصوت يمزّق الصمت المخيِّم في هذا المكان حيث لا بشرَ غيرها يعرف بأمر خطيئتها، لكنها كانت مؤمنة _مع ذلك_ أنّ الصلاة تستطيع أن تُطهِّر روحَها، وتُصيّرها خفيفة كريشة.. غمَرها إحساسٌ بأنها امرأة كاملة، لأنَّها في حَضرةِ إله يراها مِن الداخل حيث قلبها النادم الخاشع؛ فكانت صلاتها بأثر السحر، ورغم أن السحر يشغل المرء عن التفكير في كل ما عداه، إلا أن هذا السحر الذي تعيشه منى الآن قادها إلى التفكير في سؤال جوهريّ: "ترى أين سأُصلي غدا؟".
أيُعقل أن تعود إلى نفس هذا المسجد حيث تتفرّسها العيون؟ أم أنّه من المقبول أن تقضي تسعاً وعشرين ليلة كاملة في التسَكُّع مِن مسجد إلى آخر؟!
لو أنّ سكان الحيّ الذي تقطُن فيه تركوها وشأنها، وتناسوا حقيقتها القبيحة لثلاثين يوما فقط، لما اضطرّت إلى الذهاب للصلاة في مسجد بعيد.
انتهت الصلاة، وسلَّم الإمام وما إن شرع في تلاوة الدعاء حتى هبّت منى متسلِّلة إلى الخارج، قبل أن يلاحقها جمهورٌ من المصليات المُحقِّقات اللواتي لابدّ أنهنّ قد جهزن لائحة مِن الأسئلة الحامِضة: من أنتِ؟ ومن أين جئتِ؟ ولماذا جئت للصلاة هنا؟ وماذا تشتَغلين..؟ وهذا السؤال الأخير هو أكثر ما كان يقلق منى.. كان يمكن أن تتحمل كلَّ شيء إلا السؤال عن مهنتها.. لذلك أسرعت نحو سيارتها لتقودها وسط طرقات عامرة بالسيارات والسابلة، وزاخرة بمساجدٍ تزدحم أبوابها بالمصلين والمصليات.. كان كلُّ شيء في المدينة يدلُّ على أن الناس بألف خير.. ومنى نفسها كانت سعيدة لأنها دخلت بيت الله وتضرَّعت هناك دون أن يمسَسها أحد بسوء.. لقد كانت فخورة جدا بإنجازها العظيم هذا، ومازال ذلك الشعور بالخِفَّة والطهارة يُرافقها حتى ركَنت سيارتها بالقُرب من باب العمارة التي تقطُنها، حينئذ بدأت تلكَ الطمأنينة الربانيّة الساحرة تتلاشى شيئا فشيئا..
خفَضت مُنى - والتي لا يزال أهل الحيّ يعرفونها باسمها الأصليّ: "ميمونة"- رأسها، وسرّعَت خَطوها، وأسدَلت حجابها على الجزء الأعظم من وجهِها، وكأنها بذلك تحميه من سياط النظرات.. صعدت إلى شقتها، فتلقّفتها نافذَة مفتوحةٌ أشبه بلَوحةٍ لسماءٍ دُخانية تخفي النجوم، وتبرِز سحبا رمادية مُتباعدة.. اقتربت منى منها ورفعَت نحو السماء عيوناً تائِهة.. هي لَم تكن بحاجة إلى مزيد مِن الدُّعاء المغموس بالمُتمنيات بعدَ ما بثَّته من أمانيَ أثناء الصلاة، إنها الآن لا تحتاج إلا جوابا عن السُؤال الوحيد الذي لا يزال يُحيِّرها: أينَ ستُصلّي يوم غد؟
رامية نجيمة
انقر هنا لقراءة النص من مصدره.

شاركها مع أصدقائك!
تابعني→
أبدي اعجابك →
شارك! →

0 التعليقات :

إرسال تعليق